الموروثات بين التنمية و التقهقر

azpresse أزبريس الإخبارية
فن و ثقافة
azpresse أزبريس الإخبارية24 سبتمبر 2017آخر تحديث : الأحد 24 سبتمبر 2017 - 11:39 مساءً
الموروثات بين التنمية و التقهقر

الموروثات بين التنمية و التقهقر

تعتبر  الموروثات الاجتماعية والعادات والتقاليد الموروثة لكل بلد كيفما كان توجهه و فكره من بين الركائز التي يجب الحفاظ عليها وصيانتها، بالاضافة الى الافتخار بها كرمز يدرسه الجيل السابق للجيل الذي يليه، وكما يقال في الاثار العربية “من لا ماضي له، لا حاضر له، ولا مستقبل له”، و الماضي يشمل مجموعة من الحيثيات  التي يدخل فيها تصنيف الموروثات الاجتماعية والعادات والتقاليد و غيرها، لكن هل حقا نجد دوما ان تلك الموروثات هي أداة محفزة و بنَاءة للجيل المعاصر و الجيل الذي سيليــــــــه؟ و هــــــــل من اللازم الحفـــــــاظ عليـــــه، أو  يجب وضــــــع القطيعة معهــــا لبنـــــاء جيـــل جــــديدة بمبــــادئ و أخلاق تواكب العصر الحالي؟، هي مجموعة من الاستفسارات التي سنتناولها في مقالتنا بغية أن نرى هل حقا يمكن للموروثات أن تساهم في تنمية الاوطان و الامم، وهل كانت مساهمة أصلا في بناءها في ما مضى؟ أو أنها يمكن أن  تسهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في تقهقر و زرع الفشل في الاجيال الحالية وأيضا القادمة؟، و هل يحق لنا تعديلها لتلائم التطور الحالي للعصر،  أو حتى حذف ما قد يهدم الجيل ويؤثر على تطوره دون التنازل على المبادئ و الاخلاق.

ان التراث هو مصطلح واسع و شامل وهو الموروث اللا مادي و الذي  يقتصر  على الخبرات التاريخية و المؤسساتية، بالاضافة الى التقاليد و العادات الخاصة بالشعوب والتي تمرر من جيل لجيل عبر التسلسل الزمني، و يبقى أهم شيء في الموروثات المتوارثة أو المورَثة هو واضعوها وكاتبوها و أي ظروف حتمت كتابتها؟ دون أن نهمل أن ذات الموروثات تبقى هي المرآة التي تعتمدها الشعوب لتسويق ذاتها أمام العالم حيث تصبح  هي ذاكرة الوطن،

قبـــل أن نخــــــــوض أكثـــــر في ذات المقـــــالـــــة لابـــــــد مـــــــــن ذكــــــــر بعض الامثلـــــــة من الثقافـــــة الشعبيـــــة للمملكـــــة المغربية و التي قد تكون نفسها لمنطقة شمال افريقيا التي تضم المغرب تونس و الجزائــــر و موريتانيـــــا بالاضافــــة الى ليبيا، منها ذات الوجه السلبي و أخرى ذات الوجه الايجابي:

-صف وأشرب، نق و كل: هو مثل شعبي من الموروثاث التي تشتهر في شمال افريقيا والتي تدل على ان اساس العمل و الصفاء التي اتت منه كلمة صف وكلمة نق التي هي فعل ازالة الوسخ أو القشرة لبعض الخضروات أو الفاكهة، و هذا المثال هو  موروث ثقافي يبني لأسس الصفاء و  أن طريق الصواب هي التي تستمر و أن مصطلح “المعقٌول” هوما يدوم و أعـززها بمثل آخر و هو “دار بلا ساس كتريب”، هذا مثال لبعض الامثلة التي تأخد منحى ايجابي.

-هاك و ارا ، مافيها حزارة : هذا مثل أخر يتداوله المجتمع منذ عصور و أيضـــــــا المجتمــــــع الحـــــــــالي و الذي يأسس لأمر اسمه أن جميع العلاقات مبنية على المصالح المادية و التي دونها لا يجب أن تكون هناك اي علاقة بين شخصيين أو مؤسستين أو غيرها و بالتالي هو ضرب صارخ في عمق العلاقات المجتمعية سواء التي يؤطرها الجانب الديني أو حتى الجانب الانساني في تقديم المساعــــــــدة و الخير للمحتاجين.

– إلى عطاك العاطي, ما تحرث ما تواطي حتى الجبال: و هذا مثل آخر سلبي له من العمق في الدلالات ما يهدم به المجتمعات عن بكرة ابيها، و تضرب في عمق الدعوة الى  العمل و الاجتهاد و السعي بل تبني الى التخاذل و التواكل و غيرها من المرادفات التي تصب في نفس النهر.

هي فقط مقولات على بساطتها، و التي قد تظهر للعيان أنها بسيطة جدا، لكن لا نعي انها بحمولة قد تهدم أو تبني جيلا كاملا لأمة أو وطن، و بالتالي وجب ان نعيد سؤالا  جاء في الفقرة الاولى “هل يحق لنا تعديل هذه الموروثات لتلائم التطور الحالي للعصر  أو حتى حـــذف ما قد يهــــدم الجيـــل ويؤثـــر على تطـــوره دون التنــازل على المبـــادئ و الاخلاق؟”، هو تساؤل جوهري لم يجد الجرأة من لدن واضعي و من  صنعوا هذه الامثال و الثقافات المورَثة للقيام بطرحه ثم  العمل على المبادرة لاصلاحه وتحينه.

ان صناعة التاريخ و الثقافة و الفكر  تعني بناء حقيبة من التراكمات و التجارب السابقة للعصور القادمة، و هذا ما سعت اليه معظم الدول التي تسيطر على العالم حاليا التي لم يكن لهــــا ماضـــي أو موروثات تورثها لأجيالها، مما جعلها تصنعها و لو كذبا، و على سبيــــــل المثــــــال لا للحصــــر نجــــد الولايات المتحدة الامريكية التي تصنع تاريخا و ثقافة من فراغ وهذا جلي في جل انتاجاتها و خصوصا الموجه للناشئة، أو التي تقوم بتصحيح ثقافاتها و تاريخها الذي شوهته  لها سواء الظروف بفعل فاعل أو بفعل الاهمال و التقادم كالدول التركية، هي فقط أمثلة لتسليط الضوء على اهمية الموروثات بشتى انواعها لكل أمة ولكل جيل.

بعد هذا الاسترسال لابد من تسليط الضوء على المجتمع المغربي الذي انتمي اليه و بحكم الحمولة التاريخية و الثقافية التي استمرت لاكثر من 15 قرنا، بعد تعاقب الدول و الخلافات و الحكومات كيفما كانت ايديولوجياتها و أفكارها فقد تركت لنا موروثات لا يستهان بها من التاريخ و الثقافة و الفكر، لكن المشكل الذي يطرح الان هو: التناقض الذي نعيشه بين الموروثات الاجتماعية والعادات والتقاليد الذي بالنسبة لغالبية المغاربة هي مقدسة و لا يجب تجاوزها  – وخصوصا في العلن- و التعالي عليها بل هي قانون عرفي يجب التقيد به رغم تنافي بعضه مع الدين و المبادئ و الاخلاق، و في ذات الوقت نجد ان من يعملون به ينتقضونه ويدمونه، و بالتالي اليس من الواجب ان نصلحه و نعدله أو لما لا حذفه اذا دعت الضرورة لذلك على الاقل ليوافق  كلٌ بعضه مما سبق ذكره.

ان اشكالية الموروثات الاجتماعية والعادات والتقاليد الموروثة من الاجيال السابقة دوما ستبقى اشكالية داخل جل المجتمعات التي لها الوعي الكافي بأهمية تاريخها و ثراثها و عاداتها وتقاليدها بل تتجاوز هذا الى صناعة هذه الموروثات ولو من فراغ، وذلك لبناء أجيال لها القدرة على قيادة أوطانها بل الاكثر من هذا الثأثير على باقي المجتمعات و تسويق كل تلك الموروثات الى دول أخرى للمساهمة في مجالات أخرى كالمجال الاقتصادي و السياحي و غيرها من باقي المجالات، ان تعديل الموروثات الاجتماعية والعادات والتقاليد الموروثة و ترميمها و جعل قالبها موافقا للعصرنة الحالية و التقدم الحالي ضرورة ملحة أولا لملائمتها لاجيالنا التي يعول عنها في مستقبل الايام للرفع من قيمة الوطن، بالاضافة الى المساهمة في ازدهار الدول من خلال توفير مداخيل اضافية تعتمد على السياحة و غيرها.

الكاتب : عبد الاله رشقي .

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

pin up